إثارة الشهوات..من الأسلحة القديمة المتجددة

اذا اردت إسقاط انسان في شراكك فاعمد إلى غرائزة الحيوانية، فهي أحد اسهل واقصر السبل لكي تستعبده..
هذا مفهوم مخابراتي قديم كان ولا يزال فاعلا وناجعا لدى شبكات التجسس والاستخبارات المحلية والدولية حول العالم.
وهو أمر شائع ومعروف لدى جميع الباحثين والعاملين في هذا المنحى الخطير، حتى بات من أكثر وسائل التجنيد المضاد شهرة وشيوعا.
ولكن أن تُسقط شرائح اجتماعية واسعة وشعوب في براثن هذا المخطط الشنيع، فأنه أمرا بالغ الخطورة والانحطاط والتهديد.
وقد يجد بعض المراقبين في كلامي هذا مبالغة غير مبررة تدفعها بحسب اعتقادهم ذهنية المؤامرة التي كلما اتهم شخص أن هناك من يمكر ويخدع اخرين، قوبل بسخرية وتهكم إلى جانب وصفه بالمريض النفسي الذي يعاني عقدة الارتياب المفرط.
ولكن.. وأيضا.. هل ما نراه من سياقات مفتعلة ومستحدثات مصطنعة من قبيل التعري وتشبه الرجال بالنساء والعكس، وتطويع القوى الناعمة لاجتثاث كل ما هو محترم، أمرا عفويا؟
انا وان اتهمتوني بجميع ما ينكل بي فلن أحيد عن التأكيد على ان ما يجري ببساطة مطلقة يمثل أجندات مدروسة وموضوعة بعناية فائقة تقف ورائها غرف مظلمة وعقول متشيطنة وجهود شريرة.
فكما أؤمن أحيانا أن للقدر والصدقة دورا في تغيير واقع ما، أو مسار ما، أو حتى تستبدل ما هو حتمي بآخر ممكن، فاني متيقن أن ما يجري حربا شرسا ضد مجتمعاتنا المسلمة تأتي في سياق حروب الجيل الخامس.
فالحروب كما تصنفها المصنفات أربعة انواع، حروب الجيل الاول والتي كانت تتمثل بمواجهة بين جيشيين بشكل محدد وصريح، وحروب الجيل الثاني والتي اعتمدت بمجملها على على القصف عن بعد خلف خطوط العدو الامامية، سواء بالصواريخ متوسطة المدى أو البعيدة إلى جانب توظيف الطائرات الحربية، وحرب الجيل الثالث والتي تمثل الحروب غير المتكافئة ، وحرب الجيل الرابع وهي استخدام الجماعات الارهابية وحركات التمرد السلحة بهدف إسقاط أنظمة معادية.
في حين تأتي حرب الجيل الخامس في سياق الحروب الاكثر تقدما وأقل تكلفة، كونها ببسيط العبارة حربا بلا دماء، بل حرب افكار ومعتقدات وأدواتها في الغالب محلية، وهي بطبيعة الاحوال غير مكلفة ماديا، فلا أساطيل عملاقة ولا دبابات مجولقة ولا جحافل، بل تكاد حربا بلا تكاليف مقارنة بالحروب التقليدية.
وقد نجحت الولايات المتحدة بمعية الدول الأوروبية الغربية في تحقيق اجنداتها بإسقاط القوة الاعظم في العالم في ذلك الوقت الاتحاد السوفيتي .
إذ اعتمد المعسكر الغربي في حربه على ما يعرف بالقوة الناعمة لتحقيق مرادها في إسقاط اشرس خصم في حينه.
ويختصر هذا المخطط بتمرير خطين متوازيين يكمل أحدهما الآخر في سبيل إسقاط النظام السياسي في اي دولة، كبرى كانت أم صغرى.
الاول يعتمد على ما يصطلح عليه بالدولة الموازية، وهو نظام منفصل الأفراد يرتكز على وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب.
فعلى سبيل المثال يعين شخص بمستوى مدير مدرسة بدرجة وزير أو وكيل وزير، في الوقت ذاته يركن من يملك مؤهلات استثنائية في وظيفة منزوية تقع في أسفل السلم الوظيفي
وبعد تعميم هذه الفكرة تبقى الدولة تدور في دوامة الفشل مهما بلغ حرص القادة الذين دون مستوى المنصب على تحقيق تقدم ملموس في القطاعات التي يديرونها.
وبذلك يسيطر العدو المفترض على عجلة النمو والاقتصاد والأمن والسياسة العامة دون تدخل مباشر، وقد تحقق هدفها تأسيس دولة موازية فاشلة داخل الدولة.
وللتوضيح فإن الدولة الموازية تختلف جذريا عما يعرف بالدولة العميقة، وان تطابق الشكل.
والخط الثاني الذي يسير وفق المخطط المرسوم فيتمثل بالسيطرة على المزاج العام، وخلق أجواء تتسم بالسلبية المفرطة والإحباط لدى مواطني الدولة عبر وسائل الإعلام ونشر الاشاعات، وقد اختصرت وسائط التواصل الاجتماعي الطريق بشكل كبير على المنفذين.
وبذلك يضمن المنفذون وادواتهم النجاح بهدم النظام السياسي بصورة سلسة وتدريجية دون أي تدخل علني من خارج البلاد.
فالعراق على سبيل المثال حرصت الولايات المتحدة الأمريكية بعناية على اختيار الكوادر الوسطى لإدارة الدولة العراقية كالمدراء العامين والوكلاء الفنيين من شخصيات فاسدة وغبية في نفس الوقت، واولتهم إدارة أكثر المراكز حساسية في وزارات الدولة.
فباتت الدولة بلا تخطيط علمي ولا تنفيذ مهني ولا رقابة حقيقية قادرة على تمييز الصواب من الخطأ في الإدارة العامة بشكل شامل.
وعليه كان الفشل حليف معظم المشاريع الحيوية التي أرادت الحكومات العراقية المتعاقبة تنفيذها على مدى عقد ونصف خلن.
الضربة القاضية
ومع زخم التذمر الشعبي المبرر وغير المبرر تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من خلق جو عام ناقم على الدولة الفتية الغارقة في غباء الإدارات وفسادها.
وقد التفت كثير من المراقبين إلى أن الهدف المحوري للولايات المتحدة يتمثل في ضرب الاسلام السياسي في العراق عبر تأليب المزاج العام، وتوجيه دفة الاتهامات صوب الجهات الراعية للنظام السياسي باعتبارهم إسلاميو التوجه والفكر.
وكردة فعل موجهة ومدروسة فإن انقلاب افراد وجماعات على واقعهم الاجتماعي أمر محتوم ما دام هذا الواقع يتحمل مسؤولية معاناتهم كما هو مرسوم للذهن.
وبما أن المقدس لم يتمكن من توفير ابسط حقوق الشعب فلا يحق لذلك المقدس أن يضع حدودا ومحرمات بعد أن سقطت قدسيته بادئ الأمر.
وهذا ما يجري ضمن المخطط، ويسير صوب انهيار اجتماعي مهول في حال لم تلتفت الأطراف المسؤولة إلى ذلك.
وعلى الارجح فإن الوضع الحالي سيستمر حتى تتغير قناعة البيت الأبيض إزاء العراقيين، أو يتمكن العراقيون من قطع دابر التدخل الغربي وتطهير مؤسساتهم من براثن الاغبياء والفاسدين.

بقلم : محمد حميد الصواف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى