الانسانية بأبهى صورها … تعرف على دار الايواء في كربلاء لتأهيل المشردين (تقرير مصور)

تجاوزوا حدود وضائفهم وتحملوا المشاق والتعب والسهر حتى يكونوا افضل مثال للانسانية منفذين وصايا مرجعيتهم الدينية العليا الرشيدة بأن يكونوا مشروع خدمة لا تنقطع لمختلف شرائح المجتمع، فبالرغم من انهم مختصين بإيواء الاطفال المشردين من المعنفين ومن تفككت اسرهم، الا انهم لم يألوا جهدا في ايواء مسنين رمتهم الاقدار في الشوارع ونساء احاطت بهن مخالب الزمن فاصبحن بلا مأوى، فتمنكوا من تأهيل المئات من الاطفال واعادتهم الى اسرهم ووفروا من يتبنى اطفالا ولدوا وفقدوا عائلاتهم واعادوا تائهين منذ شهور الى ذويهم يستمرون بالدوام لساعات طوال دون النظر الى الامتيازات، واصبحوا على حد قولهم ارباب عائلة كبيرة اسمها دار الوارث للإيواء والتأهيل المجتمعي انهم بحق رسل محبة وسلام وذراع رحمة من اذرع العتبة الحسينية المقدسة التي تداوي جروح المجتمع وتحافظ على تماسكه.

فوق الواجب
من القصص التي سردها لوكالة (اون نيوز) ” العاملون في الدار قصة المسن المهمل اذ يقولوا “كان عدد من منتسبي الدار ذاهبون في واجب رسمي الى احدى المؤسسات الطبية الحكومية فلاحظوا في بابها رجل مسن ترك على الارض لا يتكلم ولا يحمل اية اوراق ثبوتية ويجلس على بطانية ويلتحف باخرى لكن عفونة جسده تزكم الانوف لانه كان يقضي حاجته لشهور بشكل لا ارادي على جسده ولحيته طويله كثة وشعره مملوء بالقاذورات، ولم يقدم احد على تنظيفه، وعندما سألوا عنه اخبرهم البعض انه مريض ولا اهل له فرمي بالشارع، فاتصلوا على الفور بمدير الدار حسين النصراوي وابلغوه انهم يرومون جلبه الى الدار ليراعوه رغم انه خارج عن واجباتهم وليس من الشرائح التي يشملها عملهم، لكن انسانيتهم ودموعهم وهم يرونه بهذه الحالة طغت على كل حلولهم، فكان رد مديرهم ارقى من تصرفهم اجلبوه قبل ان تسألوني فمهمتنا التي كلفتنا بها ادارة العتبة الحسينية المقدسة العليا هي الانسانية مع الجميع، فما كان منهم الا ان حملوه ببطانيته ورائحته لا تطاق ووضعوه في السيارة وجاؤوا به الى الدار، وتعاون عليه مجموعة من اساتذة الدار وعدد من النزلاء المسنين فلبسوا الكمامات لتحمل الرائحة والقفازات المطاطية والاحذية المطاطية الطويلة التي يلبسها رجال الاطفال (الجزمة) وقاموا بغسله وتنظيفه بالمنظفات والتعقيم والمعطرات لمدة ساعة كاملة، ثم ارسلوه الى الحلاق وحلقوا شعره ولحيته، وارسلوه الى مستشفى الامام زين العابدين (ع) التابع للعتبة المقدسة، الذي اجرى له فحوصات وتحاليل شاملة واكدت الملاكات الطبية ان الرجل مصاب بثلاث جلطات ادت الى فقدانه النطق ولديه ارتفاع في نسبة السكري بالدم وضغط الدم، وان حالته خطرة جدا وقد لا يعيش طويلا، واعيد الى الدار وقدمت له افضل انواع الرعاية والاهتمام فتحسنت حالته وبدأ بالاستجابة لهم وتناول الطعام وبدأ بالنطق واستعاد جزء من صحته وزاد وزنه وبدء بالمسير على العكازات، وبعد بقائه لمدة سبعة اشهر في الدار تمكن ذويه الذين تبين انهم يبحثون عنه منذ شهور وهم من عائلة ميسورة وبينهم اطباء عن طريق السؤال في قسم حقوق الانسان التابع للعتبة المقدسة، لاننا زودناهم سابقا بصورته فجاء ذويه الى الدار ولم يتعرفوا عليه في الوهلة الاولى لانه كان نحيفا ومريضا واصبح معافى عندنا، فحصلت حالة من البكاء والصراخ بينهم وبينه وبين المنتسبين الذين حضروا هذا اللقاء وبقينا على تواصل مع اهله ثم توفى بينهم بعد ايام وبهذا تكون العتبة الحسينية المقدسة لهذا الفضل الكبير عبر دار الايواء في انقاذه من الضياع والمجهول واعادته الى اهله”>

مهام الدار

يتحدث الباحث الاجتماعي أمير مجيد من دار الوارث للايواء والتأهيل المجتمعي التابع الى قسم التنسيق والتأهيل التربوي في العتبة الحسينية المقدسة، لوكالة (اون نيوز)، بقوله، ان “هذا الدار هو مؤسسة انسانية تقوم برعاية الاطفال والصغار والاحداث والذين يعانون من حالات التفكك والعنف والاهمال الاسري والعمالة المبكرة او فقدان احد الوالدين او كليهما ويوفر لهم الدار المأوى والمأكل والمشرب ومصرف الجيب وجميع ما يحتاجونه، ويضعهم في الاجواء الاسرية السليمة وتعويضهم عن الحنان العائلي الذي افتقدوه وتجنب كل ما يشعرهم انهم دون الاخرين، ويعمل مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتوفير افضل الخدمات لهم، وبدأت المشروع سابقا بدار تبرع بها احد الميسورين بمساحة 150 متر مربع بعد تزايد حالات وجود اطفال مشردين وحالات العنف الاسري ورحب المتولي الشرعي للعتبة الحسينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي بالفكرة واوعز بالاسراع بتنفيذها فكانت البذرة الاولى دار الايواء الصغيرة في العام 2017 في حي الحسين، وكانت احصائياتنا الاولية تشير الى ان العدد لا يتجاوز (500) مشرد، ولكن تفاجئنا بالاعداد الكبيرة من الاطفال المشردين والمعنفين والعمالة المبكرة، فاصبح من الضروري افتتاح دار اوسع بكثير منها، وبعد موافقة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية انتقلنا الى هذه البناية التي كانت مهملة وآيلة للسقوط فاعيد تأهيلها من قبل اقسام العتبة الحسينية المقدسة المختصة ومساحتها اربعة الاف متر مربع، مكنتنا من استيعاب اكبر عدد من المشردين وقسمت الى اربعة قواطع حسب الفئات العمرية من عشرة سنوات فما دون في قاطع ومن عشرة الى خمسة عشر بقاطع اخر ومن ستة عشر عام الى عشرين عاما في قاطع والكبار في قاطع منفرد”.

دمج مع العائلة

يدير هذا الصرح الانساني مدير الدار حسين النصراوي ويساعدة مجموعة من الشباب المربين من الباحثين الاجتماعيين وباقي التخصصات من الاساتذة هكذا يصف مجيد ادارة الدار ويكمل بقوله “توجد ثلاث دور للايواء منها اثنان للاناث التي تأوى (60) مشردة من عمر عشر سنوات الى اربعين سنة وواحدة للذكور ووضعوا برامج خاصة بالتأهيل وشكلت مجموعة لجان منها لجنة الاطعام المكونة من ثلاث وجبات للطباخين تطعم المستفيدين على مدار اليوم ولجنة البحث الاجتماعي المختصة بالبحث عن الاطفال المعنفين والمشردين واستقبالهم في الدار وتوفير الاجواء المناسبة لهم ولجنة الدمج الاسري التي تعالج الحالات المؤقتة التي حددت مدة ايواء المتعرض للعنف الاسري بمدة ثلاث اشهر الى ما دون ذلك وقد تمدد الى شهر رابع للضرورة وقد تمكنت اللجنة من اعادة دمج (400 ــ 500) حالة مع عائلاتهم منذ عام 2017 الى الان، ولدينا ايضا لجنة التشريفات المختصة باعمال الاستقبال والضيافة والخدمات، ولجنة الادارة والمالية المختصة بالانفاق على الدار والمستفيدين، ولجنة الصيانة المختصة بالاعمال الميكانيكية والكهربائية في الدار ولجنة السائقين المتكفلين بايصال المستفيدين الى مدارسهم او اي مكان يستوجب ارسالهم اليه، وكذلك توجد في الدار لجنة طبية مختصة باجراء فحوصات طبية شاملة على المشرد في مستشفى زين العابدين التابع للعتبة الحسينية لتأكد من عدم اصابته بامراض انتقالية او معالجته ان كان مصابا بامراض مزمنة او غيرها”.

مدارس وملاعب

في الدار توجد كثير من الفعاليات التي تبني اجسام وعقول وارواح المشردين يصفها الباحث الاجتماعي بالقول “توجد قاعة متكاملة لبناء الاجسام وقاعة للالعاب الالكترونية وساحة لملعب خماسي لكرة القدم وملعب لكرة السلة وتنس الطاولة وكرة الطائرة لاشباع رغباتهم وميولهم باشراف اساتذة مختصين بالتربية الرياضية، وفي الدار منتسبون رسامون قاموا بعمل ورش واكتشفوا مواهب الرسم لدى اثنين من المستفيدين واصبحوا رسامين ماهرين، اما في جانب الدراسة فاخذت الدار على عاتقها ادخال كل المستفيدين الى المدارس من الابتدائية الى المتوسطة وفي مدارس اليافعين والتعليم المسرع لمن فاته الالتحاق بالمدرسة وكذلك ادخال المستفيد للتعلم فقط في المدرسة حتى وان كان التحاقه بالدار بعد نصف السنة الدراسية، وحاليا يدرس 34 مستفيد في المدارس ومنهم من وصل الى الدراسة المتوسطة، وتكفلت لجنة التعليم بتوفير اساتذه مختصين متطوعين يقومون باعطائهم دروس تقوية او مراجعة الدروس بعد عودتهم من المدارس على غرار ما تفعله العائلة الطبيعية، ويعطون دروس تنمية بشرية ودينية وفقهية، ونسقت الدار مع منظمات مجتمع مدني ومنشئات اهلية لتنظيم سفرات ترفيهية لهم منها سفرات للمراقد المقدسة والمتنزهات والحدائق ومدن الالعاب المتعاونة مع الدار مثل مدينة العاب نوارس كربلاء ونوارة كربلاء الذين يستقبلونهم ويسمحون لهم بالصعود في جميع الالعاب مجانا، كما تنظم لهم ورش تعليمية خارج الدار لكسر الرتابة في معيشتهم، وبمجمل هذه البرامج ساهمت الدار بتأهيل كل المستفيدين واعادتهم الى الحياة الطبيعية رغم مجيئهم الى الدار بحالات صعبة ومعقدة ويعيشون مجموعة ازمات نفسية وصلت لحد محاولة الانتحار لدى بعضهم، وساهمت الدار بمعالجة وتأهيل بحدود 150 مستفيد عام 2021”.

تقرير : قاسم الحلفي
تصوير ــ عمار الخالدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى