آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره الوداع الأخير

حضرت مجلس السادة آل بحر العلوم ليلة أمس وحضر فضيلة السيد جواد الخوئي وذكر خاطرة مهمة عن جده قدس سره، وهي:
إنه قبل وفاة السيد الجدّ بأسبوع، أو تسعة أيام عمل السيد عملية لتنظيم ضربات القلب، وكان يحمل بطارية تنظيم الضربات، وعمل العملية مجموعة من الأطباء المهرة، كالدكتور جعفر الكويتي وعدة من الدكاترة الحذاق..، وطبعاً في تلك الظروف الحرجة كانت العملية فوق الكبرى ولم تكن شيئا هينًا، للحصار وعدم الدواء والسلطة الغاشمة، وأما الآن فالأمر يختلف، ولم يكن السيد – قدس سره – يشكو من أي مرض مزمن كالسكر، والضغط، وماشاكل ذلك، وإنما كان يعاني من انكسار روحي بسبب ما حلّ للناس بعد أحداث الانتفاضة من قتل وتشريد وو…

فنجحت العملية بحمد الله تعالى رغم عمره الكبير، ولكن للأمور التي ذكرتها بدأت حالته تتدهور، وتنتكس يوما بعد يوم، وأول من زاره بعد الانتفاضة هو الشيخ شريف كاشف الغطاء فتعجب السيد لذلك، وقال له: أنت شريف كما سماك والدك (شريف).
ومن أوائل من زاره بعد العملية في تلك الظروف الحرجة المرحوم الشيخ محمد حسن آل ياسين، فقد كنت أراه حين عيادته لجدي وكان يشرب الدخان بالسبيل، وكنت أرى السبيل بيده.

وأتذكر ليلة الوفاة كان الوضع مربكاً للغاية، فقد تدهورت حال السيد، ولا نعرف ما الذي ننتظره، فنهض السيد قليلا واتكأ على وسادة كعادته وقال لوالدي: ناد من في الدار من الأهل والعيال؟! فجمعنا كل من في الدار ، عماتي والأطفال حتى ضاقت الحجرة بهم، وأخذ ينظر لكل واحد فيها ويسأله عن الأحوال ويدعو لمن فقدت زوجها، أو ولدها بالفرج والصبر، إلى أن انتهت التفاتته وسؤاله لآخر شخص بالحجرة.

وليلتها حدث شيء غريب للغاية أن طرقت باب بيت الكوفة في الساعة الثالثة ليلا، فذهلنا من هذا الطارق في هذا الليل البهيم؟ وكانت الحجرة التي أمام بيت السيد الجد فيها ١٢ موظفا، ستة من الأمن وستة من المخابرات، يسألون كل طارق أو داخل عن العلة التي جاءت به.

مازال الباب يطرق والذهول مستمراً، والخوف يدبّ من القادم، فقال السيد الوالد ليعقوب وهو شاب من أهل البصرة وهارب من العسكرية: افتح الباب، وكان مترددا لأنه ربما يؤخذ كشربة ماء، وامتثل وذهب لفتح الباب، وسمعنا أنه يتحاور مع شخص وكلنا كان ينظر من الشباك لمعرفة من الطارق، ثم انتهت المحاورة معه وأغلق يعقوب الباب، فسألناه من الطارق ومايريد؟ فقال: مجنون، فقلنا بغرابة: مجنون؟! وأين رجال الأمن؟ وكيف وصل للباب ؟ألم يلاحظوه؟
فقال: لا أعلم كل هذا، وكيف اجتازهم ولم يروه؟!.
قلنا: ومايريد؟

قال، قال لي: أريد أن أسلم على السيد الخوئي وأقبل يده، فقلت: الساعة الثالثة ليلا والرجل مريض ونائم، فقال: هو يصلي صلاة الليل؟، فقلت: الرجل مريض ونائم، فقال: سلم عليه، وذهب ولم يلتفت إليه أحد من الجلاوزة.
وعندما أخبرنا السيد الجد بأمره، تأمل وقال: خير إن شاء الله، وسكت.
وقال السيد المتحدث: كان في يوم وفاته دوامي المدرسي ظهراً، فدخلت عليه صباحا وسألني عن أحوالي وقبلت يده، وقال لي: لماذا لم تذهب للمدرسة؟
فقلت: دوامي ظهرا، فابتسم وسكت.

وأما خاتمته فكانت عجيبة فقد توضأ وسمع أذان الظهر فتوجه للقبلة وأذّن وأقام، وكبّر تكبيرة الأحرام فما إن أنزل يديه من التكبيرة وشرع بقراءة البسملة رجع للوراء وغادر هذه الدنيا الفانية.

أحمد علي الحلي ليلة ٢٣ جمادى الآخرة سنة ١٤٤٣هـ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى