اغتيال الحياء

مسألة خطيرة هي اغتيال الحياء ففي اغتياله انطلاقة النفس وخروجها عن لجام العقل ونزولها في مستنقع الشهوات الحيوانية البهيمية وبذلك يدخل صاحب هذه النفس في دائرة الحيوانية ويتجرد شيئا فشيئا عن انسانيته والحرام قبيح بذاته لكنه يفقد قباحته تدريجيا بفعل تكراره فيصبح في نهاية المطاف امرا اعتياديا بعد ان كان غريبا ..
وفي ذلك عمل تدريجي لفصل الحياء عن آدمية الانسان وبالتالي تكون صورته انسانية وبطانته حيوانية وقد قال سيد الكائنات وفخرها الصادق الامين(صلى الله عليه وآله):(الحياء من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فمن لا حياء له لا دين له)ومقياس آدمية الانسان مدى طاعته لربه ففي حال عصيانه لخالقه سيكون منقادا لنزواته وشهواته المحرمة..قال تعالى(ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا..)سورة الفرقان الآية٤٤؛
اذن العقل يهتف عاليا(يا ابن آدم لا تلغي وجودي فبوجودي في مملكة بدنك كنت انت وصرت افضل خلق الله)وقد ورد في الحديث القدسي عن الله تعالى(يا ابن آدم خلقتك من أجلي وخلقت الكون من اجلك)وقد ورد عن أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام):
وتحسب نفسك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
ولايغيب عن ذهن و بال احد ان الله -عز وجل- لم يحرم على عباده شيئا حتى اباح في قبالته ما يوازيه من الحلال فقد حرم سبحانه الزنا (والعياذ بالله) وحث ورغب في الزواج المتعدد للرجل وحرم الخمر والمسكر واباح العشرات من الاشربة وقس على ذلك ..
فلو تدبر المتدبر قليلا لوجد ان ثمن معصيته لربه هو تخليه عن سر تكريمه وتشريفه على سائر مخلوقات الله حتى الملائكة الا ان بعض الآدميين يوظفون عقولهم بالكامل لخدمة شهواتهم فيكون العقل عندئذ اهوائيا خاضعة لهوى النفس في حال كون النفس قد الجمت العقل بلجامها وصار اسيرا لها ..فعلى الانسانية السلام..
قال الحبيب المصطفى(صلى الله عليه وآله):(اذا لم تستح فأصنع ما شئت) ومما هو جدير بلفت النظر ان ابليس اللعين فقد مكانته السامية اذ كان مع الملائكة لفضل عبادته بعد ان اطاع هوى نفسه وأبى ان يسجد لما امره الله تعالى لأبينا آدم(على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام )وهو سجود تكريمي والناس المتبعين لشهواتهم المحرمة قد جعلوا من ابليس اماما لهم يقودهم ورضوا بذلك فعاقبته وعاقبتهم الخسران وهو الطرد من رحمة الله قال تعالى(يوم ندعو كل اناس بأمامهم )سورة الاسراء الآية٧١ ..
فرقابة العقل لشئون مملكة البدن بجعله حاكما ذو سلطة نافذه عليه واما اذا انعدمت وتلاشت تلك الرقابة فستتحرر كل الشهوات وتنفك عن لجامها وفي ذلك التجرد الكامل عن الانسانية التي هي (كما قدمنا )سر التكريم والتشريف والرفعة ..والحياء صفة خاصة جعلها الله للانسان لكونه من العواقل فينبغي المحافظة عليها وتعزيز قوتها وتجنب كل ما من شأنه خدش الحياء كالفحش من القول والسلام والسخرية من الآخرين والتعدي عليهم بالألفاظ الجارحة واشاعة الغزل المحرم بين الجنسين الذي يوجب تهييج الشهوة والنظر الى عورات الآخرين،وقد مدح الله احدى ابنتي شعيب(على نبينا وآله وعليه السلام)عندما وصفها بقوله – تقدس اسمه-(فجاءته أحدهما تمشي على استحياء )سورة القصص الآية ٢٥
بقلم : خالد غانم الطائي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى