وجاء الأمان والغيث

اليوم قرأت في الفيس أنه ذكرى عودة آية الله العظمى السيد السيستاني – دام ظله – من الرحلة العلاجية، وأحببت أن أذكر بعض تلك اللحظات التي عشناها في أرض النجف الأشرف،

ذهب سماحة المرجع السيد – دام ظله – لرحلة علاجية حتمية، ذهب وارتفع معه سيل من الاتهامات، وكلام لا يصدر من أهل الوفاء، ذهب وبقي بعض أهل النجف في بيوتهم، وسيل من الاتهامات تجعلهم يقبعون في تلك البيوت المتهالكة.

وأي وصف أذكره عن تلك اللحظات، فكل دقيقة تمرّ علينا كأنها سنة، صوت القنــ ابل التي ترمى بجوار حرم علي بن أبي طالب – عليه السلام – أزيز الرصـ اص، رائحة المـ وتى، انقطاع الماء، انقطاع الكهرباء، الجوع الهالك، في كلّ لحظة تنتظر مو تك أو مــ وت أحد من محبيك، لا تزاور بين الجيران، فالمدينة ليس فيها إلّا صوت الرصــ اص ورائحته وشبح المـ وت الخانق.

والأخبار تزداد شدّة، يوماً بعد يوم، والخوف يسمعك اصطكاك الأسنان، والرعدة تزور مفاصل جسدك الحاني على محبيك، فخروجك أنت وعائلتك من ظلام البيت، يفقدك أماً، أو زوجة، أو ابناً، أو رضيعًا، فأنت خائــ ن شئت أم أبيت، لو بقيت ولو خرجت.

وجاء السيّد، بل قل جاء الغيث، وانهمرت الدموع، دموع النجاة، دموع الفرح، دموع العودة بالسلامة والخلاص من أنقاض التراب الذي رائحته ملأت الأنوف، فقد ذهب منظر الد ماء، وعاد الركوع والسجود في الحرم.

فخرجت مهرولاً أريد أن أنجو بجسدي الذي عاد غريباً في مدينته، ووصلت بين مشاهد السـ لاح الذي مدّ في سماطين، وأنت تمشي بين فوهاته.
خرجت والدب ابة الأمير ــ كية في رأس فرع بيتنا،
والأمير ــ كي من على الدب ابة يؤشر إليك، ولاتعلم يريد أن يحييك أم يقتلك، فكانت محنة عبور شارع الطوسي ليس بأخف وطأة من عبور شارع زين العابدين.

وقفت على حافة الشارع، شارع زين العابدين، بقرب مسجد السقاية، أسمع أزيز القــ نص، فالأمير ــ كان كانوا يقن ـصون
كل عابر، وقفت وتأملت في الجثــ ـث المتناثرة في وسط الشارع، أعرف بعضها، ولا أعرف أكثرها، كيف أعبر، وفي العبور خلاص، فربما وحتماً أُقتل في عبوري، أستخير مرة، وأرجع مرة، أقدم قدمًا، وأؤخر أخرى، إلى أن جاء العزم، وصممت أذني بأصبعيّ وعبرت بكل مالديّ من قوة، فهناك في الضفة الأخرى من ينتظرك ويقول لك (حمد الله على السلامة)، من يصدق أن مسافة العبور هذه كانت سنة من الخوف، فأدركت حينها الحديث (نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان)، انتقلت إلى جهة الحرم، فدخل الأمان في قلبي، اقتربت أكثر إلى باب القبلة، وسمعت هتافات المحبين (تاج تاج على الراس، سيد علي السيستاني)، فاطمأننت وذهب الخوف، انتقلت وكأنما خرجت من نار جهنم إلى جنة وريحان.

بقلم : أبو عبد الله الغروي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى