علاقة بناء الوطن بين السياسي والمثقف

اختلفت مواقف المثقفين العراقيين على وجه الخصوص اتجاه بناء جيل مثقف في الدولة الحديثة التي تشكلت أطيافها من ثقافات متعددة وأخرى متخصصة من القضايا والإشكاليات التي يعيشها مجتمعنا الحالي، فمنهم من يسعى للبروز الذي قد يضفي لنفسه الشهرة وتواجد على الساحة، ومنهم من يدعي الدفاع عن الموضوعية والقيم الحقيقية أو القيم المفتقدة في المجتمع ، ومنهم من يهرب من الواقع إيثاراً للسلامة أو عدم القدرة على المواجهة التي قد تجعل بعضهم يهاجر أو ينفي نفسه داخلياً أو خارجياً، ومنهم من التحق بسلطة أياً كانت هذه السلطة، ومنهم من التزم بالثقافة وما تحمل من قيم وضحى بالمال والشهرة والمنصب والمكانة والجاه والعمر والأهل من أجل هذا الالتزام. فتولدت علاقات غير طبيعية بين المثقف والسياسي في العراق، هذه العلاقة ليس فيها أي نوع من التوازن الفكري فالمثقف يسعى لبناء بنية تحتية للثقافة عراقية رصينة مكملة لثقافة حافظوا عليها الرواد من المثقفين رغم انف حكومة الثقافة المبرمجة والمخططة لمسيرة المجتمع والشعب ولأجل تحول العلاقة من غير طبيعية إلى طبيعية ، ومن ثم إلى علاقة تفاعل إيجابي بين المثقف والسياسي ،سيسهم بكل تأكيد في تحقيق جزء مهم من عملية التغيير في عراقنا وثم النهوض بالمجتمع ،وصنع تاريخ مثقف ومعاصر. باعتبار المثقف ممثِّلٌ لضمير الشعب ورفض تجنيد الثقافة في ميدان الصراعات التحزبية في هذا المجال تحديداً يحتاج مجتمعنا لعدد من المفاهيم الثقافية المهمة التي تسهم في تغيير الواقع العراقي البائس كالإنسانية والتسامح والاحترام والتعددية، وعدد آخر من المفاهيم التي يمكن للثقافة أن تؤثر فيها كالعقلانية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فمن خلال هذه المفاهيم التي ترتكز عليها الثقافة بصورة عامة تسهم في تحقيق التطور والتقدم ما يجعل دور المثقف في حياة السياسي القائد للعراق دورا مهما بالإسهام في ترسيخ تلك المفاهيم الجوهرية ، لكون المثقف له علاقة وطيدة بالمجتمع بشكل عام كالوعي والنقد وهذا شانه في ترسيخ المبادئ السامية في الدين والدنيا، وتكون معرفية الشخص اتجاه بلده معرفة وطنية تبعده عن الانتماءات الغير شرعية والهدامة والعمل ضد الوطن، الكثير من ضعاف النفوس استغلوا الفراغ الأمني ولجهلهم في الوطنية، أصبحوا لصوصا، ومن ثم مساعدي للإرهاب الخارجي…

هنا يكمن بيت القصيد في التوعية والثقافة وهذا لا يمكن تحقيقه ما ان تكون علاقة حقيقية بين السياسي والمثقف. من هنا ندعو الحكومة ان تبرز دور المثقف لا ان تهمشه وان تدخله العملية السياسية لا ان تجهضه. وان تمنحه الدور الريادي في كل أوجه السياسة ، لان المثقف ومن خلال النقد يبرز الكثير من منحنيات الخاطئة لبعض ممن دأبهم الربح السريع من خلال السلطة واستغلال مناصبهم وتحويل السياسة في بناء الوطن الى سياسة تجارية لجني المال فقط ولا غيرة على العراق والعراقيين . فالمثقف إذن ذو تأثير مباشر على السلطة الحاكمة في حالة عدم استطاعته الوصول اليها ،لكن سلطة السطوة السياسية وضعت لنفسها مثقفين حسب الطلب يتماشون وسياق أهدافهم ان كانت تصب في صالح المجتمع او خارجه وتركت وهمشت المثقف الحقيقي فكانت ولا تزال هي من تحدد وضعية المثقف وليس المثقف من يحدد وضعيته وما المهرجانات التي يقيمها البعض إلا إسقاط فرض لوجود ثقافة رمزية تستذكر رموزها البناة وهذه ستنتهي رويدا طالما المثقف يخضع لطرق شتى كي ينفي نفسه او يموت على الطريقة السياسية الحديثة .

بقلم : حيدر عاشور

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى