مطالبات بإعدامه وأخرى بترخيصه “التكتك” في مثلث المرور

تحقيق: نغم المسلماني

من النادر جداً أن تسير في شارع من شوارع العراق وكربلاء بخاصة، ولم تعترض سبيلك عربات التكتك المنتشرة كالدبابير على خلية النحل، بانحراف سريع أو توقف مفاجئ، قد يؤدي إلى حادث دعس لمواطنين أو اصطدام ببعض السيارات أو الدراجات، بل بكل متحرك أو ساكن في ذلك المكان.
المركبة النارية ذات العجلات الثلاث التي تحشى عادة بثلاثة ركاب أو أربعة خلافاً لسعتها المصنعية، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من واقع المجتمع العراقي، ومدعاة للجدل ومادة للنكتة وللأغنية الشعبية أحياناً، رغم أنها شكلت علامة بارزة للتظاهرات التشرينية عام 2019م، إذ لعبت دوراً لا ينكر في عمليات إخلاء الجرحى ونقل الماء والغذاء والبشر والحجر وكل شيء من وإلى سوح التظاهر.
وسط مطالبات متعارضة، يشكل التكتك اليوم مثلثاً حاد الزوايا أضلاعه: الرسوم الباهظة التي فرضتها المرور العامة، وأجوره الزهيدة، ومخاطرته بأرواح المواطنين.

نقلة نوعية
بالنظر إلى تاريخ هذه العربة المتمردة على قواعد السير والمرور، فإن البعض يراها تمثل نقلة نوعية في سياق التطور الذي شهدته وسائل النقل التقليدية، فهي نسخة محدثة لمركبة الريكاشة اليابانية القديمة ذات العجلتين والتي كان يجرها سائقها.
وتعود تسمية “تكتك” إلى الصوت الصادر من محركها عند التسارع. وتعد شركة باجاج الهندية الأولى في صناعة هذا النوع من العربات.
ومع دخول الألفية الثانية بدأ ظهور التكتك في البلاد العربية، بينما تعد الهند البلد الأول والمصنع لها منذ الستينيات. والملاحظ أن التكتك ينتشر في البلاد النامية ذات الكثافة السكانية العالية كما في مصر التي قدر عدد التكاتك فيها بـ(5 ملايين و400 ألف)، وذلك لانخفاض تكلفتها وقدرتها على السير في الشوارع المزدحمة والطرق الضيقة.
ويتراوح سعر عربة التكتك الواحدة في العراق بين ثلاثة ملايين دينار إلى أربعة ملايين دينار تبعاً لشهرة الشركة المصنعة وسنة الانتاج.

مخاوف أمنية
دول كثيرة تصنف التكتك كمركبة غير مطابقة للمواصفات الأمنية، وذلك لعدم اتزانها وهشاشة هيكلها، ولكونها بلا أبواب ولا أحزمة أمان، مما يعرض ركابها إلى الخطر الناجم عن الحوادث المرورية المسببة لها، ومن ثم فهي ترخص أرواح الكثير من المواطنين وتستهين بحياتهم.
من هنا ترفض كثير من الأنظمة المرورية صرف لوحات ترخيص للتكتك وتحاول جاهدة الحد من انتشاره في المدن، وذلك لعدم صلاحيته للسير في الشوارع، ولكن من دون جدوى، فقد فرض التكتك نفسه كوسيلة نقل منخفضة الأجور وسريعة التحرك في أعظم الزحامات، كما في أصغر الشوارع الفرعية.
إزاء ذلك كله، ترى دول وأنظمة مرور أخرى أن التكتك أمر واقع يجب التعامل معه بمهنية، كإصدار لوحات رقمية ورخص سير أو منعه من عبور الجسور أو تحديد سيره في شوارع دون غيرها، مع فرض غرامات على المخالفات التي يرتكبها.

شكاوى ومطالبات
إلى جانب الشكاوى التي يطلقها سائقو سيارات الأجرة بين حين وآخر بسبب خسارتهم في التنافس مع التكتك والذي بات يهدد أرزاقهم، ثمة مطالبات من مواطنين في كربلاء بمنع استيراده وطرده من الشارع، بسبب كثرة أعداد التكاتك في المدينة فضلاً عن صغر أعمار سائقيها وتهورهم وعدم التزامهم قوانين السير.
ويصف المواطن محمد كاظم، أصحاب التكاتك بأنهم “شباب طائشون يقلدون ما يشاهدونه في الأفلام الهندية وغيرها ويقومون ببعض الحركات البهلوانية أثناء القيادة، ويرفعون صوت الأغاني الصاخبة من جهاز التسجيل الموجود في التكتك”. ويقول: إنهم “لا يراعون حالة الركاب وإن كانوا من كبار السن أو الأطفال أو النساء، ولا يفرقون بين الرصيف والشارع ويسيرون بسرعة وبعكس الاتجاه، ويستديرون بصورة مفاجئة ومخيفة”.
وتعزو المواطنة سعاد رميض، التصرفات غير اللائقة لبعض سواق التكتك إلى تهاون الحكومة معهم، لكنها ترجع وتقول: “هم أولادنا على أية حال ويكدون من أجل الحصول على لقمة العيش”. وتبين: “لو كانوا يجدون فرص عمل أفضل أو تعيينات في دوائر الدولة لاستغنوا عن التكتك وعيشته”.
وفيما ترتفع أصوات من هنا وهناك مطالبة بإيقاف ما وصفته بالمهزلة ومنع استيراد التكتك وإعدام الموجود منه في الشوارع، نجد في المقابل من يدعو إلى استيعابه وتنظيم حركته وتقنين سيره في الشارع بوصفه وسيلة نقل شعبية رخيصة تقلل من جشع سائقي التاكسي وتوفر فرص عمل لآلاف العاطلين في ظل أزمة اقتصادية حادة تشهدها البلاد.
يؤكد أمير علي، سائق تكتك أنه يعمل ليل نهار من أجل عائلته المكونة من خمسة أفراد لم يعد لهم معيل سواه بعد إصابة أبيه بمرض أقعده كلياً وألزمه الفراش، ويقول: “لو كنت حصلت على وظيفة في الحكومة، أو وجدت مهنة أفضل لما بقيت أعمل على التكتك”.
وتستقطب كربلاء العديد من شباب المحافظات الجنوبية الباحثين عن الرزق الحلال، ومعظم هؤلاء يتوجهون للعمل كسائقي تكتك نظراً لاكتظاظ المدينة بالزوار وحاجتهم إلى التنقل عبر الأزقة.
وفي تصريح سابق لوسائل الإعلام، أكد المتحدث باسم شرطة مرور كربلاء الرائد رياض الحمداني، أن “الاستيراد المفتوح لعربات التكتك أثّر على حال الشوارع، علماً أن لا إحصاءات دقيقة لعددها، لأن سائقيها يقودونها بلا رخص سوق، لكن من الواضح أن عددها كبير جداً”.
الأمر الذي أكده أيضاً نائب محافظ كربلاء، جاسم الفتلاوي في حديث للصحافة قائلاً: إن “شوارع كربلاء لم تعد تتحمّل كل هذا الاستيراد العشوائي، في حين أنها تجذب زواراً كثيرين بخلاف المحافظات الأخرى”.
وأصدرت مديرية المرور العامة، في شهر أيار الماضي توجيهاً عاجلاً لأصحاب التكاتك لغرض تسجيلها وعدم تعرضها للحجز، مؤكدة أن كلفة التسجيل تبلغ 480 ألف دينار، ما يعده أصحاب التكاتك رقماً صعباً أو مبالغاً فيه.
وقال مدير المرور العامة اللواء طارق إسماعيل الربيعي في حديث لوكالات أنباء: إن “دراجة التكتك جلبت الى العراق من دون موافقة مديرية المرور العامة ودخلت البلد وأصبحت واقع حال” مبيناً أن “مديرية المرور العامة حددت حركتها في بعض المناطق فقط، وتحديداً المناطق الشعبية”.

حوادث وضحايا
في وقت سابق كشف مجلس القضاء الأعلى، بأن الدراجات النارية والتكتك تتصدر مشهد الحوادث المرورية في بغداد.
وقال قاضي محكمة تحقيق الرصافة أحمد مكطوف في حديثه لبعض الصحف، إن “حوادث السير كثيرة جداً وأكثر الحوادث التي تعرض تعود لسائقي الدراجات النارية أو التكتك.
فيما أكد المتحدث باسم شرطة المرور في كربلاء الرائد رياض الحمداني أن “عدد الحوادث التي تسببت بها هذه العربات ناهز ثلاثة آلاف في العام الماضي، وأن بعضها ترافقت مع سقوط ضحايا قدروا بعشرات من المواطنين”.

خسائر اقتصادية
ذكر الخبير الاقتصادي منار العبيدي، في حديث صحفي أن “حجم استيراد العراق من عجلات التكتك من الهند بلغ 151 ألف عجلة منذ عام 2015م بقيمة بلغت أكثر من 137مليون دولار”.
وقال العبيدي، إنّ “معدل الاستيراد ارتفع بشكل مضطرد خلال السنوات السابقة حتى وصل الاستيراد في سنة 2021م إلى حدود 50 ألف تكتك، وبقيمة بلغت 48 مليون دولار أمريكي” وهذا بحد ذاته يمثل خسارة اقتصادية للعراق على حد وصفه.
فيما اقترح لواء المرور المتقاعد عمار وليد، خطة للسيطرة على الفوضى المرورية التي أحدثها التكتك في العراق.
وتجري الخطة المقترحة على مراحل ثلاث تبدأ بمنع الاستيراد وتحديد حركة التكتك، وتمرّ بوضع لوحات وأرقام كمرحلة ثانية، لتنتهي بالقضاء على مشكلة التكتك تماماً في المرحلة الأخيرة.
وإلى حين وضع الحلول المناسبة للفوضى المرورية التي أحدثها أو تكييف وضعه قانونيا وإنسانيا يبقى التكتك في مثلث المرور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى